العالم الخزري ودوره في الرسم الهندسي  image
الرسم الهندسي، وسيلة للتعبير عن أفكارٍ تصميمية بالرسم والخط والتخطيط الهندسي، وهو اللغة والوسيلة التي تبناها المصمم والمهندس قديماً وحديثاً للتعبير عن الأفكار والتصاميم المقترحة لعمارة الأبنية أو لصنع قطع هندسية وميكانيكية وكهربائية يراد إنتاجها.

يُعد الرسم الهندسي أساسياً في تطوير الصناعات، لدوره الفعّال في ظهور تصاميم الأبنية وأدوات القياس الدقيقة واستخدام الآلات ذات الدقة العالية في الإنتاج.

لمحة تاريخية

كان الرسم مع بداية الحياة أداة التفاهم بين الناس، وأداة تعبير عما يجول في الخاطر قبل الكتابة. وتعد سفينة نوح عليه السلام من أشهر التصاميم في الأزمان الغابرة.

وقد عُثر على بعض الرسوم والمخططات لبعض الأدوات التي كان يستخدمها الإنسان، ووجدت رسوم خاصة بالقلاع والأبراج والمعابد التي بُنيت ومازالت آثارها قائمة. ومن أهم هذه الآثار ما اتفق على تسميته عجائب الدنيا السبع، ومنها أهرام مصر، وبرج بابل في العراق وغيرها.

ولا يمكن إشادة كل هذه الأبنية بتفاصيلها الدقيقة قبل أن يفكر مهندسوها بتصميمها وتحضير رسومها، الأمر الذي يؤكد أهمية الرسم في حياة الشعوب والإفادة منه في التصميم.

ومع تطور الشعوب والحضارات، أخذت الأدوات والعدد تدخل حياة الأمم، وقد لجأ أرخميدس عام 212ق.م إلى الرسم لإعداد الآلات والمعدات الحديثة وإنتاجها، لتنظيم الدفاع عن مدينة سرقسطة أمام جيوش الرومان، وكانت رسومه على شكل منظور تقريبي لآلاته ومعداته التي فكر فيها، (كانت آخر كلماته للجندي الروماني الذي قتله: «لا تمس رسومي»). وممن استخدم فكرة الرسم الهندسي، لتصميم آلة، رجل روماني في عام 30ق.م واسمه فتروفيوس كان يعمل في مجال الميكانيك، فصمم مضخة من البرونز لعمال المناجم.

وقد كان للحضارة العربية والإسلامية الأثر الكبير في تطور تقانات التصنيع، وتذخر كتب التراث برسوم الآلات الميكانيكية والهدروليكية المعقدة التي تركها المهندسون العرب، وأنجبت الحضارة العربية والإسلامية عدداً من المخترعين والمهندسين الذين وضعوا أسس التطور الصناعي الذي شهدته أوربا في عصر النهضة، وتركوا تراثاً لا يحصى من المراجع العلمية والمخطوطات.

ومن أشهر الكتب العربية العلمية التطبيقية التي عُنيت بالتصميم والهندسة الميكانيكية والهدروليكية، ومازالت أفكارها ورسوماتها تستوحى في تصاميم الآلات الحديثة ثلاثة كتب هي:

ـ كتاب «الحيل»، من وضع أبناء موسى بن شاكر (في القرن 3هـ/9م).

ـ «الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل»، لبديع الزمان أبو العز بن إسماعيل الجزري (ق 6هـ/ 12م).

ـ كتاب «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، لتقي الدين بن معروف بن راصد الدمشقي (ق 10هـ/16م).

وهذه الكتب الثلاثة لا تعدو كونها حلقات في سلسلة التقاليد والمراجع العربية الإسلامية الهندسية الميكانيكية التي أسهمت في الثورة الصناعية في الغرب في القرن السادس عشر الميلادي.

وحسبنا على سبيل المثال وليس الحصر الإشارة إلى شهادة دونالد هيل أحد الباحثين الأوربيين، حول أعمال وإنجازات العرب التكنولوجية في تعليقه على كتاب الجزري قائلاً: «لم تكن بين أيدينا حتى العصور الحديثة أي وثيقة، من حضارة أخرى في العالم تضاهي ما في كتاب الجزري من غنى التصاميم والشروحات الهندسية المتعلقة بطرائق الصنع والتجميع للآلات». وقد انفرد العلماء العرب في الرسم والتصميم عمن سبقوهم برسوم متعلقة بالتحكم الآلي واستخدام الصمامات التي تعمل تلقائياً، كأمثال بني موسى في كتابهم «الحِيَل» (الشكل -1).

 

الشكل (1) آلة لرفع الماء نحو عشرين ذراعاً بدولاب من ماء جار
 
وفي عصر النهضة يأتي اسم ليوناردو دافنشي في مقدمة من أسهم في تطوير الرسم الصناعي والهندسي برسومه وتصميماته التي تركها، ويعزى فضل تطويـر الرسم الهندسي واستخدام الخطوط الهندسـية في ترتيب المناظـر (المساقط) للمهندسين الإيطاليين عامـة، ومن أشهرهم ليون باتيستا ألبرتي L.B.Alberti ت(1404- 1472).      

أما البداية الحقيقية للرسم الهندسي الحديث فتأتي في القرن الثامن عشر، وتحديداً في عام 1727، حين اتُفِق على قواعد ومصطلحات وشروط دولية عامة لتوحيد أعمال الرسم الهندسي وممارسته في إخراج التصاميم الفنية، واعتمد وضع الأطوال على المناظر (الأبعاد على المساقط) بعد أن كانت تُتْرك للرسام يتصرف بها بحسب خبرته ومرانه لإخراج التصاميم والرسوم وتنفيذها.

منذ ذلك الحين أخذت الدقة في الإنتاج طريقها، وبدأ الإنتاج الكمي واستخدام الآلات الدقيقة، وظهرت فكرة إنتاج قطع التبديل، وبدأت الأبنية الشاهقة وتصاميمها تأخذ طريقها إلى التنفيذ.

غير أن فكرة رسم المساقط وترتيبها بقيت من دون تطور إلى القرن العشرين، إلى أن أوضح العالم الفرنسي الرياضي «كاسبار مونج» طريقة تمثيل الأجسام في مستويين متعامدين، أعطت للرسم تكامله وفتحت له آفاقاً واسعة، ومازالت تُسـتَخدم وتُدرس إلى اليوم، وصار بالإمكان استنتاج المسقط الغائب (المسقط الثالث) بهذه الطريقة، كما أمكن إظهار الأجسام وتمثيلها بالتفاصيل الجزئية الكاملة. ومنذ ذلك الحين، دخل التخصص مجال الرسم الهندسي والصناعي، وصار وجود مكتب الرسم الهندسي ضرورة ملحة في جميع المنشآت الصناعية، ويتبع له حُكماً أقسام أخرى مثل قسم الطباعة وقسم التخطيط وقسم الرسامين.

أسس الرسم الهندسي

يعتمد الرسم الهندسي على الإلمام التام بالطرق الصحيحة والمعرفة الجيدة في إنشاء الأشكال الهندسية المستوية والفراغية. أما الأشكال الهندسية نفسها فهي مجموعة من النقاط والخطوط والسطوح تعتمد في بنائها على عناصر هندسية أساسية هي:

ـ النقطة: كل أثر مجرد ليس له أبعاد ويحدد بتقاطع خطين مستقيمين.

ـ المستقيم: الأثر الناتج عن تحرك النقطة، وله بعد واحد هو الطول.

ـ السطح: الأثر الناتج عن حركة خط محدد، ويكون مستوياً أو منحنياً، وله طول وعرض، وهو الحد الفاصل للجسم عما يحيط به من الفراغ.

أما المنهاج الأساسي لتعلم وتعليم الرسم فيبدأ من الأسس والمواضيع الرئيسية الآتية:

خطوط الرسم، طرائق الرسم، الإسقاط بنوعيه المركزي والمتوازي، استنتاج المسقط الغائب (الثالث)، رسم المنظور وطرائقه، مفهوم القطاعات وأنواعها للأجسام الهندسية والقطع الميكانيكية، درجات الدقة والتفاوتات للأسطح المشغولة، الرسم التجميعي.

خطوط الرسم وكتاباته

إذا كان الرسم الهندسي لغة، فخطوط الرسم هي حروفه الناطقة الصامتة وهي العنصر الأساسي للتفاهم والقراءة ونقل المعلومات إضافة إلى الكتابات.
تم عمل هذا الموقع بواسطة